قسم المتفرقات

الأوبئة .. أزمات طارئة قد تُنتهك فيها بعض القيم الأخلاقية

لا شك ان الأوبئة تشكل ظرفا استثنائياً يتطلب استجابة استثنائية قد يتأثر البعض أو الكثير سلبا من هذه الاستجابة وقد تطول الفترة مما يرهق كاهل الكثير من السكان والعاملين في مجابهة الجائحة. وقد يصعب إيجاد الخط الفاصل بين القيم الأخلاقية المتعلقة بحقوق الأفراد والحفاظ على المصلحة العامة. وهذه معضلة أخلاقية لا ينتهي الجدال والنقاش فيها والآراء فيها كثيرة وتخضع لمتغيرات عدة منها المعتقد الديني، العادات والتقاليد، مستوى الحريات ومفاهيمها، شدة الوباء وخطورته.

 

 

هنا سنسرد بعضاً من القيم الأخلاقية الموضوعية والإجرائية أثناء الأوبئة التي يجب على صناع القرار أخذها بعين الاعتبار:

 

 

1 – الحرية الفردية :

 

 

لا شك أن الحجر الصحي والعزل وهما من أهم الإجراءات في مجابهة الأمراض السارية المنقولة من شخص إلى آخر لكنهما يقيدان الحرية الفردية لذلك يجب أن يكون العزل والحجر الصحي متناسبين وضروريين، ويتم تطبيقهما بشكل منصف ومتناسب مع الإمكانيات المتوفرة، ويتم ذلك بأقل الوسائل تقييدًا.

 

 

2- حماية الجمهور من الأذى :

 

 

السكان بشكل عام لا يشكلون نسيجاً متجانساً، بل معظم المجتمعات تتشكل من فئات سكانية مختلفة فكرياً وثقافياً ومعرفياً واقتصادياً، لذا يجب على المسؤولين دراسة القرارات والإجراءات في ضوء هذا التنوع، وتقييم احتمالات الامتثال للقرارات ومراجعة هذه القرارات بحيث لا يكون هناك أذى قد يفوق الضرر الناجم عن الوباء. فعلى سبيل المثال، قرار إغلاق منطقة بشكل كامل لفترة طويلة لفئة من السكان ليس لديهم موارد غذائية أو مائية أو أدوية كافية قد يتسبب في موت جزء من السكان من الجوع أو الفوضى وسيقلل احتمالية امتثال السكان للقرارات.

 

 

3- التناسب :

 

 

يجب أن تقتصر التدخلات التقييدية بما يتناسب مع المستوى الفعلي للمخاطر على المجتمع. لا يجب أن تتخذ إجراءات مقيدة ما لم يستلزم الأمر. فعلى سبيل المثال، في قطاع غزة فلسطين، لا يوجد حالات داخل القطاع وبالإمكان السيطرة على الحدود مع اتخاذ إجراءات صارمة في الحجر الصحي والعزل، ليس هناك حاجة للإغلاق الشامل. بينما لو ظهرت حالات مرضية فقد يكون اتخاذ قرار الاغلاق أمراً مبرراً مثلما حدث في مدن الضفة الغربية التي ظهرت فيها حالات بين السكان.

 

 

4- الخصوصية :

 

 

يجب أن تكون هناك ضرورة ملحة لحماية الجمهور حتى يمكن تجاوز الخصوصية للأفراد. بمعنى الحفاظ على الخصوصية إلا إذا اقتضت المصلحة تجاوز خصوصية الأفراد. مثلاً هروب أحد الأشخاص من الحجر الصحي قد يستلزم تعميم الاسم والصفات لتقليل مخاطر الاتصال به ونشر العدوى. كذلك الأمر عند اكتشاف حالة كانت قد خالطت أناس مجهولين، ربما يمكن الإعلان عن الاسم أو العنوان.
التبادلية: هناك حاجة إلى دعم أولئك الذين يواجهون عبئًا غير متناسب في حماية الصحة العامة مثل العاملين في مكافحة الوباء من أطباء وممرضين وأفراد الأمن والعاملين في الحجر أو العزل الصحي. في ظل ظروف غير اعتيادية يتعرض العاملين في مجابهة الوباء إلى إجهاد كبير بسبب طبيعة العمل في أماكن قد تكون موبوءة، فهم عرضة لالتقاط العدوى ويمكثون فترات طويلة في العمل بسبب نقص الأعداد وخضوعهم لحجر صحي حتى لا يكونوا ايضاً مساهمين في نشر الوباء.

 

 

في ضوء هذه النقاط ينبغي أن تكون الإجراءات المتخذة منطقية، مع مشاركة أسباب/مبررات القرارات مع أصحاب المصلحة ويجب أن تكون الإجراءات منفتحة وشفافة وشاملة، وبمشاركة أصحاب المصلحة وقابلة للاستجابة للمتغيرات، وخاضعة للمراجعة والتحديث وأيضاً خاضعة للمساءلة.

لقد أظهرت التجارب السابقة أن التعاون الطوعي وثقة الجمهور من المكونات الرئيسية للاستجابة الناجحة لحالات الطوارئ الصحية العامة. قد تكون ترياقًا هامًا للخوف الفردي والذعر المجتمعي الذي قد يولده تفشي الأمراض المعدية. يمكن أن يساعد الاهتمام الدقيق بالقيم الأخلاقية في صنع القرار المتعلق بالصحة العامة على تعزيز التعاون الطوعي والثقة العامة ويجب أن يكون جزءًا من التخطيط للتأهب لمواجهة الجائحة على مستوى المحليات ومستوى المحافظات والدولة.

 

 

المصدر : منظمة المجتمع العلمي العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!